الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

تذكير بمهمات بشأن الأضحية




 
تذكير بمهمات بشأن الأضحية
 
 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..

 

فهذا بيان لمهمات تتعلق بالأضحية

 

أولا: تعريف الأضحية:

هي الواحدة من بهيمة الأنعام التي تذبح تقربًا الى الله تعالى في اليوم العاشر من ذي الحجة بعد صلاة العيد إلى غروب شمس يوم الثالث عشر منه وبها سمي يوم العيد لأنها تفعل فيه وبقية أيام التشريق.

 

ثانيًا مشروعيتها:

 قال تعالى:{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } وقال سبحانه: { فصل لربك وانحر } وقال تعالى:{لكل أمةٍ جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله على مارزقهم من بهيمة الأنعام فإلاهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين} وفي المسند وغيره عن  النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: '' يا أيها الناس إن على أهل كل بيت في كل عام أضحية'' وقد أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي.

 

ثالثًا حكمها:

سنة مؤكدة مع الاستطاعة ومن لم يضحِ مع السعة فهو زاهد في السنة بخيل بالنفقة ففي المسند وغيره عن  النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ''من كان له سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا'' فتنبغي المحافظة عليها ويكره تركها من غير ضيق ولا عذر. قال أهل العلم: وله أن يستدين ثمنها إذا كان يأمل أن يوفيه مستقبلا اغتنامًا لزمن الأضحية

 
 

رابعاً حكمتها:

للأضحية حكم ربانية كثيرة تفهم من نصوصها ومنها:


1-اتباع ابراهيم عليه السلام على ملته قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} وروي عن النبي صلى الله وسلم قال عن اﻷضحية: ''سنة أبيكم إبراهيم"

2- التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام في سنته اذ كان يضحي كل عام  وقد قال "عليكم بسنتي" وقال "من رغب عن سنتي فليس مني"
 
3-إظهار العبودية لله تعالى بالتقرب إليه بذبحها على اسمه ثقة بخلفه وجوده.
 
4- تحقيق شكره سبحانه على إنعامه بما جعل من مواسم الطاعات وما شرع سبحانه فيها من أنواع العبادات وما رتب على ذلك من حسن العواقب وجليل المثوبات.

5- التقرب لله سبحانه بالجود والكرم من فضله سبحانه على المضحي والإحسان بذلك إلى نفسه و غيره بالتعبد بالنسك والاستمتاع بالطيبات من الرزق والإحسان إلى ذوي الشخص في هذا اليوم الكريم بما يطيب النفوس ويسلُ سخيمة الصدور ويشيع المحبة.

 
خامسًا فضلها:

 
 قال تعالى: { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم...} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ماعمل ابن آدم يوم النحر عملاً احب الى الله من إراقة دم"  وذبح اﻷضحيه من الثج الذي هو أحب النسك إلى الله تعالى أي -إراقة دماء الذبائح- من الهدي والأضاحي والعقائق ومايذبح للحم على اسم الله شكرًا له تعالى وتقربًا إليه بما شرع من ذلك وأباحه إحسانًا إلى النفس والأهل ومن يهدى له أو يتصدق عليه.

 

سادسًا ابتداء وقت الذبح:

 

 يبتدئ وقت الذبح من الفراغ من صلاة عيد الأضحى قال -صلى الله عليه وسلم-: '' لا يذبحن أحد قبل أن يصلي '' وفي رواية '' لا يضحين '' رواه مسلم.
وعن البراء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: '' إن أول ما نبدأ به يومنا هذا -يعني الأضحى- أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أي: صلاة العيد فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ... الحديث'' وفي رواية قال: "من ذبح بعد الصلاة تم نسكه وأصاب سنة المسلمين'' متفق عليه. 

 
سابعًا نوع ما يضحى به:

يضحى بالواحدة من بهيمة الأنعام الغنم أو الأبل أو البقر قال الله تعالى{ولكل امةٍ جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على مارزقهم من بهيمة الانعام} وقد تواتر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي في كل سنة بكبشين أملحين أقرنين وقد قسم -صلى الله عليه وسلم -غنماً بين أصحابه وأمرهم أن يضحوا بها وصح أنه -صلى الله عليه وسلم- ضحى عن نسائه بالبقر وأنه  في السفر أمر أصحابه أن يشتركوا بالتضحية بالبُدن (الابل والبقر) البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة وصح عن أبي أيوب رضي الله عنه قال كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته.
فدلت هذ النصوص(وماجاء في معناها وهو كثير ومشهور) على أن التضحيه إنما تكون  ببهيمة الأنعام(الإبل والبقر والغنم ) فقط كالهدي في الحج فلا تحل التضحيه بما تحله التذكية من الحيوانات غير بهيمة الأنعام

وما ذكر عن أعيان من السلف من الصحابه والتابعين من التضحية بديك أو غيره من الحيوانات فإنما قصدوا من ذلك بيان عدم وجوب الأضحية كما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- انه أمر خادمه أن يشتري لحماً من السوق وقال له من سألك عنه فقل هذه أضحية ابن عباس وكما ثبت عن غيره من أعيان الصحابه رضي الله عنهم انهم كانوا لايضحون مع أنهم من أهل الغنى واليسر حتى لايفهم الناس وجوب الأضحية وخشية أن يقتدي بهم من لايستطيع الاضحية بناءً على ذلك الفهم.

 

ثامنًا سن أو عمر ما يضحى به:

في صحيح مسلم رحمه الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الاضحية: ''لاتذبحوا إلا مسنة " -يعني ثني- إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن والثني من الضأن ماله سنة ومن البقر ماله سنتان ومن الإبل ماله خمس سنين ومن ضحى بالجذع من الضأن له ستة أشهر أجزأ عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: '' ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز.

 

تاسعًا عدد ما يضحى به:

أكثر ما ضحى به النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسان من الضأن فقد تواتر عن النبي  -صلى الله عليه وسلم- برواية عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- ''أنه كان يضحي كل عام بكبشين أملحين أقرنين موجوئين'' أحدهما عنه وعن أهل بيته وكانوا ثلاثة عشر بيتًا والآخر عن من لم يضحِ من أمته وأكثر أهل العلم على أن التضحيه عن الأمه من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- فليس لغيره أن يفعل ذلك لأن ذلك من العبادات والعبادات توقيفية لا دخل للرأي فيها.

 

عاشرًا صفة ما ضحى به -صلى الله عليه وسلم-:

  تواتر عن الصحابه -رضي الله عنهم- الذين وصفوا أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- انه ضحى بالأملح وهو الأبيض الذي بياضه ليس بخالص وهو الذي يشوبه سواد ومما وصفت به أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- السواد في فمه وعينيه وأسفل قوائمه وبطنه كما وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها: يأكل في سواد وينظر في سواد ويطأ في سواد ويبرك في سواد. وفي المسند بإسناد صحيح إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- في صفة ذِبحِ إبراهيم -عليه السلام- كبش أبيضُ أقرن أعين وقال: لقد رأيتنا نبيع ذلك الضرب (أي النوع) من الكباش.
وفي المسند بسند صحيح عن ابي هريره رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام مشيرًا إلى التفاضل في لون الأضحية : ''دم عفراء احب الى الله من دم سوداوين'' والعفراء هي البيضاء التي بياضها ليس بالناصع بل تشبه اﻷرض أو خبز الشعير 

فتلخص من صفة أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- الأوصاف التالية:

 

١-ذكر من الضأن فحل مخصي ذو قرون.

٢-أبيض ليس بالخالص وفيه سواد في فمه وعينيه وبطنه وأسفل يديه ورجليه.

٣-عظيم الجسم سمين ليس بالمرتفع ولا بالمتضع.

٤-عمره سنة ولو نقص إلى ستة أشهر فلا بأس.

٥-أقرب شيء لهذا الوصف الطيب من النوع الذي يسمى الحَرِّي الحجازي أو النعيمي في الجملة وقليل من النجدي.

٦-سلامة الأضحية من الأمراض والعيوب الخلْقية ومن أن يكون قد قطع منها شيء غير الخصى.

 

الحادي عشر ما ينبغي لمن أراد أن يضحي:

١- لا يأخذ من شعره ولا من ظفره في عشر ذي الحجة من حين نوى الأضحية إلى أن يذبحها.

٢-أن يباشر ذبحها بنفسه إن كان يحسن ذلك أو  يوكل من يحسن من أهله وذويه.

٣-أن يبادر بذبحها في يوم العيد أول النهار  بعد صلاة العيد فذلك أفضل.

٤-أن يحد شفرته ويريح ذبيحته ولا يؤذيها بشيء.

٥-أن يدعو عند الذبح بالدعاء المأثور ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين) إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. اللهم منك ولك عني وأهل بيتي بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني.

٦-أن يأكل من لحمها ويهدي إلى جيرانه وأرحامه وأصدقائه ويتصدق قال تعالى: { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } وقال -صلى الله عليه وسلم-:'' كلوا وأطعموا وتصدقوا وادخروا'' وأفضل ما يكون ذلك وأحبه إلى الله يوم العيد.

 

الثاني عشر كراهة الإكثار من الضحايا:

 لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم- في التضحية عن كبش واحد عنه وعن أهل بيته وضحى بكبش آخر عن من لم يضحِ من أمته والتضحية بالآخر عن الأمة من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- على الراجح  ففي الموطأ وسنن الترمذي بسند صحيح عن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: كان الرجل منا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ثم تباها الناس بعد فصارت مباهاةً كما ترى.

 

الثالث عشر مشروعية اختيار أحسن الأضاحي والسالمة من العيب والنقص:

قال تعالى:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وقال تعالى: { ولا تيمموا -أي تقصدوا- الخبيث -أي الرديء- منه تنفقون ولستم بآخذيه ..} الآية وفي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين. وقال عروة ابن الزبير لبنيه لا يُهْدينَّ أحدكم من البُدن-أي الأبل والبقر- شيئًا يستحيي أن يهديه لكريم فإن الله تعالى أكرم الكرماء وأحق من اختير له
وقال الصحابة رضي الله عنهم: أمرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن نستسمن الأضاحي وأن نستعظمها أي نختار السمينة العظيمة وأن نستشرف القرن والأذن أي: نتأكد من سلامتها من الكسر والنقص والعيب فلا يضحى بالعوراء ولا العرجاء ولا الهزيلة ولا المريضة ولا كبيرة السن ولا مكسورة القرن أو مقطوعة الأذن النصف فأكثر أو مقطوعة الإلية.

 

الرابع عشر ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها :

 

يدل على ذلك:

١-أن الله تعالى قرن النحر والنسك بالصلاة التي هي أعظم شرائع الإسلام بعد التوحيد.

٢-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يضحون مداومين على ذلك حتى في السنين التي تكون فيها شدة ومجاعة ولا يفعلون مع هذه الأحوال إلا ما هو أفضل وأحب  إلى الله تعالى.

٣-أن الناس لو عدلوا عن ذبح الأضحية إلى التصدق بثمنها لأدى ذلك إلى تعطيل شعيرة عظيمة وسنة نبوية كريمة سماها -صلى الله ''عليه وسلم- ''سنة المسلمين.

 

الخامس عشر محاذير في التوكيل بذبح الأضحية خارج البلاد:

ينبغي عدم التوكيل في ذبح الاضحية خارج البلاد لاعتبارات منها:


 أولاً: يترتب على ذلك خفاء الشعيرة في بلد المضحي في وقتها.

ثانيًا: قد يؤدي إلى الاستعاضة بالتصدق بالثمن عن الذبح.

ثالثاً: أو عدم مراعاة وقت الذبح بالتقدم عليه أو التأخر عنه فتكون ذبيحة لحم لا أضحية.

رابعا: وقد لا تراعى سلامتها من النقائص والعيوب التي لا تليق بالأضحية.

خامسا: أو يذبحها من ليس  أهلًا للتذكية شرعًا فتكون ميتة.


وإذا كان الحامل للموكل على ذبحها في الخارج مراعاة حاجة الناس فلا يكون ذلك في شعيرة الأضحية بل يوكل من يذبح عنه ذبائح لحم صدقة عنه للمحتاجين، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذبح شاة للحم فيأكل ويهدي ويتصدق.

 

هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

قاله الفقير الى عفو ربه: عبدالله بن صالح القصيِّر -حفظه الله-

 

٢ذو الحجة ١٤٣٦هـ